روائع مختارة | واحة الأسرة | نساء مؤمنات | هاجر.. أم الذبيح إسماعيل عليه السلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > نساء مؤمنات > هاجر.. أم الذبيح إسماعيل عليه السلام


  هاجر.. أم الذبيح إسماعيل عليه السلام
     عدد مرات المشاهدة: 6467        عدد مرات الإرسال: 0

ها قد عادت الأيام التي تتعطر أرواحنا فيها بسيرة الأحباب؛ حيث أعظم قصص الفداء والتضحية وإنكار الذات فتتمثل لنا جلية واضحة شاهدة على عمر من العطاء والتسليم لله الواحد الأحد.

فها هي صحراء مكة وكأنها تتبدى أمام أعيننا حيث لا ماء ولا زرع ولا شيء يدل على أية حياة، الليالي طويلة والظلام دامس ولا رفيق ولا أنيس، جلست السيدة هاجر رضي الله عنها ورضيعها إسماعيل بعد أن تركها نبي الله إبراهيم عليه السلام وليس معهما سوى بعض ماء وتمر.

كلماته عليه السلام ما يزال صداها يتردد في قلبها حين تركها وهمَّ بمغادرة المكان القاحل حين استوقفته لتسأله عن سبب تركها ووليدها في هذا المكان الموحش، فلم يرد ومضى في طريق عودته من حيث جاء.

ولما أعادت القول: الله أمرك بهذا؟ قال لها نبي الله باطمئنان بالغ: نعم، فلم تجد بدًا من الامتثال لأمر الله تعالى والرضا بقضائه وقدره واليقين بأنه سبحانه وتعالى لا يضيع أولياءه فقالت بقلب ملؤه التصديق واليقين والإيمان: إذن لا يضيعنا.

 فغادرهما نبي الله إبراهيم ولسانه يلهج بالدعاء متضرعا لرب العالمين قائلا في رضا ويقين: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم).

ولما نفد ما معها من ماء وتمر ولم تستطع رد الجوع والعطش عن رضيعها الذي بات يتلوى أمام عينيها ويجلدها صراخه الذي يتردد صداه في صحراء مكة الموحشة المفزعة أخذت تجري وتهرول ما بين جبلي الصفا والمروة علها تجد من يسعفها وينقذها وابنها من الهلاك.

 ساعات كالدهر تمر بين الصعود والهبوط وكاد اليأس أن يضرب الأمل الرابض في روحها لولا أملها ويقينها بالله تعالى الذي أراد سبحانه أن يُظهر دلائل قدرته وآيات رحمته لزوج أبي الأنبياء ومضرب المثل في الإيمان واليقين بالله عز وجل فبعث جبريل -عليه السلام- فضرب الأرض بجناحه؛ لِتَخْرُجَ عينُ ماءٍ بجانب الرضيع.

فتهرول هاجر نحوها وقلبها يلهج بحمد الله على نعمته، والثناء عليه وأخذت تملأ كفيها من ماء العين المنبثقة لتروي فلذة كبدها، وهي تقول لها: زُمّى زُمّي، فسميت هذه العين زمزم.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت زمزم عينًا معينًا" [البخاري].

إنها السيدة هاجر، أم الذبيح إسماعيل عليه السلام، وزوجة خليل الله إبراهيم أبي الأنبياء - رضى الله عنها -. عرفها التاريخ بـ "أمِّ العَرَب العدنانيين" التي وهبها ملكُ مِصرَ إلى السيدة سارة - زوج تبي الله إبراهيم الأولي- رضي الله عنها، عندما هاجرا إلى مصر. ولما رأت السيدة سارة أنها كبرت فى السن، ولم تنجب بعد، وهبت هاجر لنبي الله إبراهيم ليتزوجها، عسى الله أن يرزقه منها الولد الصالح الذي كالنت تتمنى.

وتزوجها أبو الأنبياء -عليه السلام- وحملت، ثم وضعت إسماعيل -عليه السلام- ولما شعرت السيدة سارة بالغيرة من هاجر وابنها ظنا أنها فقدت مكانتها التى كانت عليها من قلب زوجها إبراهيم عليه السلام من قبل، فطلبت منه أن يرحل بالسيدة هاجر بعيدًا عنها، فما كان منه عليه السلام إلا أن حمل هاجر وإسماعيل إلى صحراء مكة، بأمرٍ من الله، ولحكمة يريدها عز وجل،.

عاشت هاجر في هذه البيئة الجديدة الصعبة بعد حياة هانئة في الشام وأخرى رغدة منعمة في مصر وبالرغم من ذلك لم تفزع بل امتثلت لأمر الله عز وجل.. ومرت الليالي رتيبة مملة وهي ورضيعها وحيدان في صحراء بلا قلب ليس معها سوى عين الماء وبعض الطيور ترفرف فوقها حينا.

وتحط آخر لتشرب منه مما دلَّ عليه إحدى القبائل العربية" جرهم" فنزلوا عليها واستأذنوها ليسكنوا بجوارها وأذنت لهم شرط ألا يكون حق لهم حق فى الماء عندها، أي "البئر".

فوافقت جرهم فكان ذلك العقد هو الأول للانتفاع بماء زمزم، عقدته سيدة المكان رضي الله عنها بمفردها، فكان هذا بمثابة الوعى الإدارى، فأين تعلمت أمنا "هاجر" كيفية إدارة الموارد؟ ولا تزال بئر زمزم تدار بهذا العقد الأول، الذى أبرمته، فالناس الوافدون مع المقيمين يشربون من زمزم، ولكن ملكيتها لأبناء "هاجر" ما أعظم الأمهات الواعيات.

وعاشت تربى ولدها، وترعى ثروتها، فكانت مُهابة محبوبة، فنشأ ولدها على نهجها، وأتقن لغة الضاد وورثها ولما شب إسماعيل عليه السلام وينع وصار رجلا يافعا تزوج منهم.

ولما تعرض للاختبار الإلهي حين أمر الله أباه بأن يذبحه، كفى والده مؤونة التراجع فشجعه على المضي قدما في تنفيذ قضاء الله وما كان هذا الامتثال إلا الدرس الأول الذي تعلمه اسماعيل رضيعا من أمه سيدتنا هاجر حينما امتثلت لأمر الله ووافقت على الحياة في أرضِ قاحلة جرداء. . ضجت بعد ذلك بأطهر حياة وصارت أعظم بقعة على ظهر المعمورة.

ومما قيل عن انتقالها للرفيق الأعلى إنها توفيت وعمرها 90 سنة، ودفنها الذبيح إسماعيل -عليه السلام- بجانب بيت الله الحرام نفس المكان الذي عمره الله بهما بعد أن كان يبابا.

ستبقى سيرة أمنا هاجر العطرة تعبق الأرض كلما هلت رياحين الحج والتقاط شربات من ماء زمزم المبارك والوقوف بعرفات الله ونظل نتذكرها رضى الله عنها مثالا شامخا للعطاء والخضوع لله.

المصدر: موقع لها أون لاين